في بعض الأوقات، قد نقع في أخطاء التفكير. وعندما لا نفكر بطريقة سليمة، تقل قدرتنا على فهم ما يجري من حولنا.
لكن في المقابل، إذا تمكَّنا من التعرف على الأسباب التي تؤدي إلى أخطاء التفكير أو التشوهات المعرفية، هذه فإن ذلك يعزِّز من فرصنا في التفكير بشكلٍ أفضل وصحيح.
ما هي أخطاء التفكير؟
أخطاء التفكير أو التشوهات المعرفية تُعد أنماطًا خاطئة أو مشوهة في التفكير، تقود إلى فهم غير دقيق للواقع. هذه الأخطاء الذهنية قد تؤثر بشكل سلبي على مشاعر الفرد، قراراته، وعلاقاته مع الآخرين، مما يحد من تطوره النفسي والشخصي. وغالبًا ما تنشأ هذه التشوهات نتيجة تجارب سلبية سابقة أو معتقدات عميقة الجذور، وتشكل طرقًا غير صحية في معالجة المعلومات والتفكير.
أنواع التشوهات المعرفية
أنواع التشوهات المعرفية (Cognitive Distortions) هي أنماط تفكير سلبية وغير دقيقة تؤثر على طريقة رؤية الإنسان لنفسه والعالم من حوله، وغالبًا ما تؤدي إلى القلق أو الاكتئاب أو انخفاض احترام الذات. هذه الأنماط معروفة في علم النفس السلوكي المعرفي (CBT) .
وتُصنف هذه الأنماط ضمن أخطاء التفكير التي يعاني منها كثير من المصابين بالاكتئاب، حيث تساهم في ترسيخ المشاعر السلبية وتعزيز النظرة التشاؤمية للحياة.
وفيما يلي أبرز أنواع التشوهات المعرفية بحسب الأبحاث في العلاج المعرفي السلوكي:
- التفكير بالأبيض والأسود (All-or-Nothing Thinking)
رؤية الأمور بشكل مطلق، إما ممتاز أو فاشل، بدون وجود منطقة وسط.
مثال: “إذا لم أكن الأفضل، فأنا عديم الفائدة.”
- التعميم الزائد (Overgeneralization)
استخدام حادثة واحدة للحكم على كل التجارب المستقبلية.
مثال: “فشلت في هذا الامتحان، إذن سأفشل في كل شيء دائماً.”
- فلترة السلب (Mental Filter)
التركيز على الجوانب السلبية فقط وتجاهل الإيجابيات.
مثال: “الناس ضحكوا على ملاحظتي، يعني كلامي تافه”، رغم أنهم أعجبوا بالباقي.
- تقليل الإيجابيات (Disqualifying the Positive)
رفض الاعتراف بالنجاحات أو الجوانب الإيجابية.
مثال: نجحت فقط لأن الامتحان كان سهلاً، ليس لأنني ذكي.
- القفز إلى الاستنتاجات (Jumping to Conclusions)
افتراض أشياء بدون دليل، مثل قراءة الأفكار أو التنبؤ بالمستقبل.
قراءة الأفكار: “أظن أن زميلي يكرهني، لم يكلمني اليوم.”
التنبؤ بالمستقبل: “لن أنجح مهما حاولت.”
- التهويل والتقليل (Magnification and Minimization)
المبالغة في الأخطاء أو تقليل النجاحات.
مثال: “خطئي في كلمة أثناء العرض دمر كل شيء”، رغم أن الأداء كان جيدًا.
- التفسير العاطفي (Emotional Reasoning)
الاعتقاد أن المشاعر تعكس الحقيقة.
مثال: “أشعر أنني فاشل، إذًا أنا فعلاً فاشل.”
- الواجبات الصارمة (Should Statements)
فرض توقعات قاسية على النفس أو الآخرين باستخدام “يجب” أو “لازم”.
مثال: “يجب أن أكون دائمًا مثاليًا، وإلا فأنا ضعيف.”
- التصنيف والتسمية (Labeling and Mislabeling)
إطلاق تسميات قاسية على النفس أو الآخرين.
مثال: “أنا غبي”، بدلاً من “ارتكبت خطأ”.
- التشخيص الشخصي (Personalization)
تحميل النفس مسؤولية أحداث خارجة عن السيطرة.
مثال: “لو كنت ألطف، لما كان أبي مريضًا.”
أسباب التشوهات المعرفية
- التجارب المبكرة السلبية
تُعد التجارب السلبية في مرحلة الطفولة من أبرز أسباب التشوهات المعرفية. فالتعرض للإهمال أو الانتقاد المستمر أو الإساءة يؤثر في تكوين أنماط فكرية غير منطقية تُعرف باسم أخطاء التفكير، والتي تترسخ في العقل وتؤثر على تفسير الفرد للأحداث المستقبلية.
- تشكّل المخططات المعرفية السلبية
تعمل هذه المخططات بمثابة عدسات ذهنية يُدرك الفرد من خلالها ذاته والعالم من حوله بشكل غير دقيق أو مشوّه. عند التعرض لمواقف معينة، يتم تفعيل هذه المخططات تلقائيًا، مما يؤدي إلى تشوه الإدراك والوقوع في أخطاء التفكير والتشوهات المعرفية.
- أنماط التفكير السلبي المتكررة
الكثير من الأشخاص يطورون أنماطًا من التفكير المشوه مثل:
• التهويل أو التصغير
• القفز إلى الاستنتاجات
• التصفية الذهنية (التركيز على السلبي فقط)
هذه كلها أمثلة على أخطاء التفكير التي تكرّس المشاعر السلبية وتزيد من حدة الاضطرابات النفسية
- الضغط النفسي والاضطرابات العاطفية
الضغوط النفسية تؤدي إلى تفعيل المخططات السلبية الكامنة، وتدفع الشخص لتفسير المواقف من خلال تشوهات معرفية، مما يزيد من التوتر، القلق، والاكتئاب.
- البيئة الاجتماعية والثقافية
البيئة التي تفرض معايير صارمة أو تعتمد على المقارنة المستمرة بين الأفراد تؤثر سلبًا على التفكير. هذه الظروف تعزز مشاعر النقص وتؤدي إلى أخطاء التفكير والتشوهات المعرفية، خاصة مثل لوم الذات والتفكير الكارثي
- ضعف مهارات التعامل المعرفي
عدم امتلاك مهارات عقلية لمواجهة الأفكار السلبية أو إعادة صياغتها يجعل الشخص أكثر عرضة للوقوع في فخ التشوهات المعرفية. غياب هذه المهارات يحول الأفكار السلبية إلى حقائق داخلية يصعب كسرها
أعراض التشوهات المعرفية
يمكن التعرف على أعراض أخطاء التفكير والتشوهات المعرفية من خلال الملاحظة المباشرة أو باستخدام أدوات تقييم مثل مقياس التشوهات المعرفية. وتشمل هذه الأعراض ما يلي:
- القلق المستمر دون سبب واضح أو بشكل مبالغ فيه.
- الشعور المتكرر بالإحباط أو الحزن بسبب أفكار سلبية دائمة.
- انخفاض احترام الذات أو الشعور بعدم القيمة.
- لوم النفس بشكل مفرط على كل شيء، حتى وإن كان خارجًا عن إرادة الشخص.
- اتخاذ قرارات بناءً على المشاعر فقط بدلًا من التفكير المنطقي (مثل الخوف من الفشل في تجربة جديدة فقط لأنه “يشعر بأنه سيفشل”)، ويعد هذا من أبرز صور أخطاء التفكير.
- مشاكل في العلاقات نتيجة سوء الفهم أو التفسير السلبي لكلام أو تصرفات الآخرين.
- تجنب المواقف الاجتماعية أو المهام الصعبة خوفًا من الفشل أو الرفض.
- الشعور الدائم بالذنب حتى في مواقف لا تستحق ذلك.
- فقدان الأمل في المستقبل أو رؤية الحياة بصورة سوداوية.
تشخيص التشوهات المعرفية
- المقابلة الإكلينيكية
يقوم المعالج النفسي بتقييم طريقة تفكير الشخص من خلال الحوار والملاحظة، وطرح أسئلة تهدف إلى كشف أخطاء التفكير والانحرافات الإدراكية، مثل:
“ما الذي فكرتِ به عندما حصل ذلك؟” أو “ما الدليل الذي تملكينه على هذا الاستنتاج؟”
- الاستبانات وأدوات التقييم
تم تطوير عدة أدوات مثل:
الاستبيان التلقائي للأفكار السلبية (Automatic Thoughts Questionnaire)
أوراق العمل مثل “Putting Thoughts on Trial” التي تُستخدم لإعادة تقييم الأفكار السلبية.
كما يمكن استخدام مقياس التشوهات المعرفية أو اختبار أخطاء التفكير لتحديد أنماط التفكير المشوهة بدقة أكبر، ما يسهم في وضع خطة علاج معرفي فعّالة.
- تمارين المراقبة الذاتية
يشجع المعالج الشخص على كتابة الأفكار التلقائية المرتبطة بمواقف معينة، وتحديد نوع التشوه المعرفي أو خطأ التفكير الذي تحتويه. هذا التمرين يُعتبر خطوة أولى في “إعادة البناء المعرفي” ويساعد الشخص على ملاحظة أخطاء التفكير بشكل يومي وتدريجي.
علاج التشوهات المعرفية
التغلب على أخطاء التفكير عملية تحتاج إلى صبر وجهد مستمر، لكنها ليست مستحيلة. من خلال المثابرة والالتزام بتطبيق الاستراتيجيات المناسبة، يمكن للفرد أن يبني نمط تفكير أكثر توازنًا وصحة.
من أبرز طرق علاج أخطاء التفكير مايلي:
- تحديد التشوه المعرفي بدقة
أولى الخطوات أن يلاحظ الشخص نمط تفكيره السلبي ويقوم بتسميته بدقة: هل هو تعميم؟ أم تهويل؟ أم قراءة للأفكار؟
مثال: “أنا فاشل دائمًا”هذا يُعد تعميمًا مفرطًا.
- استجواب الفكرة
اطرح على نفسك سؤالًا: هل هناك دليل حقيقي يدعم صحة هذه الفكرة؟
مثال: “هل سبق لي أن نجحت في أمر ما؟ نعم، إذًا لست فاشلًا دائمًا.”
- إعادة الصياغة الإيجابية
قم بتغيير طريقة التعبير عن الفكرة بحيث تكون أكثر واقعية وإنصافًا.
مثال: بدلًا من “أنا فاشل”، قل “مررت بتجربة فشل، لكن هذا لا يعني أنني أفشل في كل شيء.”
- الاحتفاظ بمذكرة للأفكار
دوّن في يومياتك: الحدث – الفكرة – المشاعر – الأدلة التي تناقض الفكرة – الفكرة البديلة.
تُعد هذه أداة فعالة جدًا في العلاج المعرفي السلوكي.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
هو نوع من العلاج النفسي يتم من خلال جلسات مع معالج مختص، يُدرّب الشخص على كيفية مواجهة أفكاره المشوّهة واستبدالها تدريجيًا بأفكار واقعية وصحية.
- تقنيات الانتباه واليقظة الذهنية (Mindfulness)
يتعلّم الشخص من خلالها مراقبة أفكاره دون إصدار أحكام، والعيش في اللحظة الحالية.
تساعد هذه التقنيات على التخفيف من تأثير التشوهات المعرفية.
إن تبنّي هذه الأساليب بشكل منتظم لا يساعد فقط على علاج أخطاء التفكير، بل يعزز أيضًا الثقة بالنفس ويُسهم في تحقيق توازن داخلي واستقرار نفسي. ولمن يرغب في تقييم مدى تأثره بهذه الأنماط، يُنصح بخوض اختبار أخطاء التفكير، الذي يمكن أن يكون أداة فعالة لفهم أعمق لأنماط التفكير السلبية والعمل على تصحيحها.
من هو أفضل دكتور لعلاج التشوهات المعرفية في مصر؟
يُعتبر الدكتور عبد الأعلى الفقي من أفضل المتخصصين في علاج أخطاء التفكير بخبرة تزيد عن 15 عامًا في الطب النفسي. يقدم خدماته في مركز PsyCare ويتميز بخطة علاجية متكاملة تشمل العلاج النفسي والدوائي والمتابعة الدورية.
في الختام، تُعدّ التشوهات المعرفية من أهم العوامل التي تؤثر سلبًا على طريقة تفكيرنا ومشاعرنا وسلوكنا دون أن نعي ذلك. إن إدراكنا لهذه التشوهات وفهمنا لها هو الخطوة الأولى نحو تغيير أنماط التفكير السلبية واستبدالها بأفكار أكثر واقعية وتوازنًا. فكلما اقتربنا من التفكير العقلاني، اقتربنا من راحة البال . لنمنح أنفسنا الفرصة للتأمل في أفكارنا، ولنكن أكثر لطفًا مع ذواتنا.
المصادر