الاضطرابات النفسية الجسدية، المعروفة أيضًا بإسم (أمراض نفسية جسمية) أو الأمراض السيكوسوماتية، هي حالات جسدية يمكن أن يساهم التوتر في حدوثها أو تفاقمها. تُعرف هذه الحالات أيضًا بالأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي (psychosomatic disorder)، حيث يؤثر التوتر على الجسم بطرق متعددة وقد يؤدي إلى تفاقم العديد من المشكلات الصحية، مثل أمراض القلب والإكزيما. لذلك، فإن إدارة التوتر بفعالية تلعب دورًا مهمًا في التخفيف من أعراض هذه الأمراض.
تعكس الأمراض السيكوسوماتية العلاقة الوثيقة بين الصحة النفسية والجسدية، حيث تؤدي الضغوط والاضطرابات النفسية أمراض نفسية جسمية حقيقية، مما يستدعي الانتباه المبكر والدعم النفسي لتجنب تفاقمه
أسباب الأمراض السيكوسوماتية
هناك بعض الأشخاص الذين يتمتعون بحساسية عاطفية وجسدية أكبر تجاه التوتر والضغط النفسي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسجسمية أو ما يُعرف بـ الأمراض السيكوسوماتية. فعندما يتعرض الإنسان للضغط، تحدث تغييرات معينة في جسده تعد من أسباب الأمراض السيكوسوماتية ومن أبرزها ما يلي:
- تحول الجهاز العصبي اللاإرادي من وضع الراحة والاسترخاء إلى وضع الاستجابة السريعة والمواجهة.
- تغيرات في محور ” الغدة النخامية – الغدة الكظرية”، وهو النظام المسؤول عن تنظيم إفراز الهرمونات أثناء التوتر.
- ارتفاع في ضغط الدم، معدل ضربات القلب، ومعدل التنفس.
- زيادة مستويات السكر في الدم لتوفير طاقة إضافية.
- زيادة تدفق الدم إلى العضلات المسؤولة عن الحركة، استعداداً لأي استجابة جسدية.
- حدوث التهابات في الجسم.
- انخفاض في قدرة الجسم على التعافي والشفاء بشكل طبيعي.
- اضطرابات في عملية الهضم.
- انخفاض تدفق الدم إلى قشرة الفص الجبهي في الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن التركيز، التحكم في الانفعالات، وتنظيم المشاعر.
معظم الناس يمكنهم تحمل التوتر لفترات قصيرة دون تأثيرات طويلة المدى، ولكن عندما يصبح التوتر مزمناً أو شديداً، فإن الجسم والعقل يتعرضان للإجهاد المستمر، خاصة إذا كان الشخص أكثر حساسية تجاه التوتر. التغيرات الجسدية الناتجة عن ذلك قد تصبح متكررة أو تستمر لفترة أطول من اللازم، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بأنظمة الجسم المختلفة، وهو ما يفسر أسباب الأمراض السيكوسوماتية وتأثيرها السلبي على الصحة العامة.
أنواع الأمراض السيكوسوماتية
في الطب الحديث، لا يزال الباحثون يناقشون مدى ارتباط بعض الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي أو ما يُعرف بـ Psychosomatic disorders بالتوتر والضغوط النفسية وحدها، إن وجدت. فمعظم الأمراض الجسدية لأسباب نفسية عادة ما تكون ناتجة عن عدة عوامل مختلفة نظرًا لتعقيد جسم الإنسان.
ومع ذلك، يتفق الأطباء اليوم على أن العديد من الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي تتأثر بالعوامل النفسية، وأن التوتر قد يؤدي إلى تفاقمها. ومن أبرز هذه الأمراض ما يلي :
- التهاب المفاصل والاضطرابات الالتهابية الأخرى.
- مرض السكري.
- الألم العضلي الليفي (فيبروميالغيا).
- أمراض القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
- متلازمة القولون العصبي ومشاكل الجهاز الهضمي.
- السمنة.
- الصداع الناتج عن التوتر.
- مشكلات الجلد مثل الصدفية والأكزيما.
- نوبات الصرع.
- اضطرابات النوم.
هل المرض النفسي يسبب آلام في الجسم؟
يمكن أن يؤدي المرض النفسي إلى ظهور آلام جسدية، وهو ما يثير تساؤلًا مهمًا: هل المرض النفسي يسبب آلام في الجسم؟ تُظهر الأبحاث أن الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، قد تتجلى في أعراض جسدية كالألم والتعب. على سبيل المثال، يُعرف اضطراب الأعراض الجسدية بتركيز الشخص على أعراض جسدية، مثل الألم أو الإرهاق، مما يسبب له ضيقًا عاطفيًا ومشاكل في الأداء اليومي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الاضطرابات النفسية إلى الأمراض الجسدية لأسباب نفسية، حيث يعاني بعض المرضى من آلام مزمنة تؤثر سلبًا على حياتهم. في بعض الحالات، قد يكون الألم المزمن ناتجًا عن أسباب نفسية، مما يستدعي تقييمًا نفسيًا للمرضى الذين يعانون من آلام مستمرة.
ما هي أعراض الأمراض السيكوسوماتية؟
تختلف أعراض الأمراض النفسوجسدية اعتمادًا على الحالة الجسدية الأساسية. على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من مرض السكري، فقد يؤدي التوتر إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم أو يجعل من الصعب التحكم فيها. كما يمكن أن يتسبب التوتر والقلق في تفاقم مشاكل الجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى الإسهال، أو الانتفاخ، أو الإمساك، أو الشعور بعدم الراحة في البطن.
تشمل الأعراض الجسدية المرتبطة بالتوتر، والتي تعد من أبرز أعراض الأمراض السيكوسوماتية، ما يلي:
- ألم في الصدر أو الشعور بتسارع ضربات القلب.
- الإرهاق أو صعوبة النوم (الأرق).
- الصداع والدوخة.
- الارتعاش أو الرعشة.
- ارتفاع ضغط الدم.
- توتر العضلات أو انقباض الفك.
- مشاكل في المعدة أو الجهاز الهضمي، بما في ذلك تغيرات في الشهية.
- اضطرابات في الوظيفة الجنسية.
- ضعف الجهاز المناعي.
كما يمكن أن تؤدي الأعراض النفسوجسدية المرتبطة بالتوتر إلى أعراض عاطفية ونفسية مثل:
- الشعور بالإرهاق الشديد.
- القلق أو التهيج.
- الاكتئاب.
عوامل خطر الإصابة بالأمراض السيكوسوماتية
تتعدد العوامل التي قد تسهم في الإصابة بأمراض نفسية جسمية ومن أبرز هذه العوامل ما يلي:
- التعرض لتجارب مؤلمة في الماضي، مثل الاعتداء الجنسي.
- الإصابة بمرض خطير خلال مرحلة الطفولة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية مستمرة تؤثر على الصحة الجسدية.
- ضعف القدرة على التعبير عن المشاعر أو كبتها، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم أمراض نفسية جسمية نتيجة التوتر والقلق المستمرين.
- اتباع نمط حياة غير منظم وفوضوي، ما يزيد من الضغط النفسي ويؤثر سلبًا على الصحة الجسدية.
- مواجهة صعوبات في التعرف على المشاعر الداخلية والتعبير عنها، وهو عامل رئيسي في ظهور الأمراض السيكوسوماتية التي تربط بين الحالة النفسية والآلام الجسدية.
- التعرض للإهمال خلال مرحلة الطفولة، مما يترك ندوبًا نفسية قد تؤدي إلى أمراض نفسية جسمية.
- المعاناة من اضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية.
تشخيص الاضطرابات السيكوسوماتية
تشخيص الأمراض السيكوسوماتية ليس له معايير محددة يعتمد عليها الأطباء بشكل مباشر. إذا كنت تعاني من حالة جسدية يمكن أن تتأثر بالتوتر، مثل أمراض القلب أو مشاكل الجهاز الهضمي، فقد يسألك طبيبك عن مستوى التوتر الذي تشعر به لمعرفة ما إذا كان له تأثير على صحتك البدنية.
يُعد التوتر تجربة ذاتية تختلف من شخص لآخر، فأنت وحدك من يستطيع تحديد ما إذا كنت تشعر به ومدى شدته. قد يستخدم الطبيب استبيانات لتقييم مستوى التوتر لديك ومدى تأثيره على حياتك. بناءً على ذلك، قد يوصي ببعض الأساليب لإدارة التوتر بهدف تقليل تأثيره على الأعراض المرتبطة بـ الأمراض السيكوسوماتية التي تعاني منها.
علاج الأمراض السيكوسوماتية
قد يوصي الطبيب بعلاجات تهدف إلى إدارة التوتر بشكل مباشر، مثل:
- العلاج النفسي (العلاج بالكلام)، بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي.
- العلاج القائم على اليقظة الذهنية.
- الأدوية، مثل مضادات الاكتئاب أو المهدئات.
مضاعفات الأمراض السيكوسوماتية
إذا كنت تعاني من أمراض نفسية جسمية يمكن أن يؤثر هذا الاضطراب النفسي الجسدي على جسمك، وتشمل أبرز المضاعفات ما يلي :
- تعب.
- أرق.
- آلام العضلات.
- ارتفاع ضغط الدم.
- صعوبة أو ضيق في التنفس.
- عسر الهضم.
- اضطراب في المعدة.
- الصداع النصفي.
- ضعف الانتصاب.
- طفح جلدي.
- قرحة المعدة.
- العجز.
- انخفاض جودة الحياة.
- الاكتئاب الشديد.
- أفكار أو أفعال انتحارية.
في الختام، تعدُّ الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسي، أو ما يُعرف بالأمراض السيكوسوماتية، نموذجًا حيًّا على الترابط الوثيق بين النفس والجسد، حيث ينعكس التوتر والضغوط النفسية على صحة الإنسان الجسدية، مما يستدعي وعياً أعمق بأهمية العناية بالصحة النفسية جنبًا إلى جنب مع العلاج الطبي. ولذا، فإن اتباع أسلوب حياة متوازن يسهم في الوقاية من أي أمراض نفسية جسمية قد تصيبك.
المصادر