اضطراب الهوية الجنسية (Gender Dysphoria)، المعروف أيضًا باضطراب الهوية الجندرية، هو حالة يعاني فيها الفرد من شعور بالضيق أو عدم الارتياح نتيجة عدم التوافق بين الجنس الذي وُلد به وهويته الجندرية. ينشأ هذا الاضطراب عندما يشعر الشخص بتناقض بين الخصائص الجسدية المرتبطة بجنسه وما يدركه أو يشعر به اتجاه هويته.
يمكن أن يظهر اضطراب الهوية الجندرية عند الأطفال ويستمر خلال المراهقة والبلوغ، أو قد يمر الشخص بفترات لا يشعر فيها بهذا الاضطراب. وقد يظهر هذا الشعور في مرحلة البلوغ المبكرة أو في وقت متأخر من الحياة.
ما هو سبب اضطراب الهوية الجنسي؟
هناك العديد من الأسباب المقترحة لاضطراب الهوية الجنسية، لكن لم يُثبت أي منها بشكل قاطع.
يحاول بعض المتخصصين في المجال الطبي تفسير ما هو سبب اضطراب الهوية الجنسي من منظور وراثي أو عصبي أو بيئي، إلا أن هذا الاضطراب لا يمكن فصله عن التأثير الثقافي القائم على التصورات الصارمة للهوية الجندرية الثنائية التي تقتصر على الذكر والأنثى.
يرى بعض الأشخاص أن اضطراب الهوية الجنسي غير موجود أساسًا، وقد تعرض كثير ممن عانوا منه على مدار عقود لعلاجات تحويلية أو مُنعوا من الحصول على الرعاية الطبية المناسبة.
التوجهات التي تركز على الفروق البيولوجية فقط تتجاهل العوامل الاجتماعية. فمن الناحية النظرية، إذا لم تكن هناك قواعد صارمة تُفرض بشأن اضطراب الهوية الجنسية والتعبير عنها، فقد يظل اضطراب الهوية الجندرية عند الأطفال والبالغين موجودًا، لكنه سيكون أقل حدة وتأثيرًا.
إتاحة العلاجات الطبية المتعلقة بالهوية الجندرية، والتخلص من الافتراضات الصارمة، قد يساعد في تقليل المعاناة المرتبطة بـهذا الاضطراب.
أعراض اضطراب الهوية الجنسية
يمكن أن يؤدي اضطراب الهوية الجنسي إلى شعور المراهقين أو البالغين بتباين واضح بين هويتهم الجنسية الداخلية والجنس الذي تم تحديده لهم عند الولادة، وتستمر هذه الحالة لمدة لا تقل عن ستة أشهر. ويظهر هذا التباين في شكل اثنين على الأقل من الأعراض التالية:
- عدم توافق بين الهوية الجنسية والأعضاء الجنسية أو السمات الجنسية الثانوية، مثل حجم الصدر، ونبرة الصوت، ونمو شعر الوجه. وبالنسبة للمراهقين، يكون هذا التباين بين هويتهم الجنسية الداخلية والتغيرات الجسدية المتوقعة خلال مرحلة البلوغ.
- رغبة شديدة في التخلص من الأعضاء الجنسية أو السمات الجنسية الثانوية، أو منع تطورها.
- رغبة ملحة في اكتساب الأعضاء الجنسية أو السمات الجنسية الثانوية للجنس الآخر.
- رغبة قوية في أن يكون الشخص من الجنس الآخر أو أن يُعامل على هذا الأساس.
- اقتناع عميق بامتلاك المشاعر وردود الأفعال التي تتماشى مع الجنس الآخر.
قد يؤدي اضطراب الهوية الجنسية أيضًا إلى شعور بضيق شديد يؤثر على الأداء في الحياة الاجتماعية، أو بيئة العمل، أو المدرسة، أو غيرها من مجالات الحياة اليومية.
تشخيص اضطراب الهوية الجنسية
يعتمد تشخيص اضطراب الهوية الجنسية على عدة معايير يتم تقييمها بعناية من قبل الأطباء والمختصين في الصحة العقلية.
يقوم الطبيب بإجراء تقييم شامل للحالة من أجل التأكد من وجود اضطراب الهوية الجنسي ومدى تأثيره على الصحة النفسية للمريض. كما يتم تسجيل العوامل المرتبطة بالتفرقة والتمييز بسبب الهوية الجندرية، والتي تُعرف بعوامل توتر الأقليات، لمعرفة مدى تأثيرها على الصحة العقلية. بالإضافة إلى ذلك، يطرح الطبيب أسئلة تتعلق بمستوى الدعم الذي يتلقاه الشخص من أسرته، أقاربه المختارين، وأقرانه، حيث يلعب الدعم الاجتماعي دورًا كبيرًا في التعامل مع الحالة.
يمكن لأخصائي الصحة العقلية الاستناد إلى المعايير الواردة في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) لتحديد ما إذا كان الشخص يعاني من اضطراب الهوية الجنسية. يعتمد هذا الدليل على معايير دقيقة تهدف إلى تقديم تشخيص واضح يساعد في توجيه العلاج والدعم المناسبين للحالة.
باستخدام هذه الأساليب، يمكن للأطباء المختصين تحديد التشخيص المناسب وتقديم الدعم اللازم للأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات لضمان تحسين حياتهم النفسية والاجتماعية.
علاج اضطراب الهوية الجنسية
- الفحوصات الطبية الوقائية
إجراء الفحوصات اللازمة للكشف عن الأمراض المعدية والمنقولة، وعلاجها إذا لزم الأمر، بما يساهم في الحفاظ على الصحة العامة.
- الاستشارات الطبية والتوجيه الصحي
تقييم الحالة الصحية العامة، بما في ذلك أي عوامل قد تؤثر على الخصوبة، والإحالة إلى الأطباء المختصين عند الحاجة.
تقديم الاستشارات حول أي أساليب علاجية سابقة قد تكون ضارة، مثل العلاجات الهرمونية غير الموثوقة أو الإجراءات التجميلية غير الطبية.
- العناية بالصحة النفسية والسلوكية
يهدف العلاج السلوكي إلى تحسين الصحة النفسية، وتعزيز الحياة، وتقوية الثقة بالنفس.
يساعد العلاج النفسي في التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية، مثل التمييز أو التحديات الأسرية، وذلك من خلال استراتيجيات صحية.
يتضمن العلاج النفسي دعم الأفراد والأسر في التعامل مع المشكلات الحياتية، وتعزيز التكيف النفسي والاجتماعي.
- أهمية الدعم الاجتماعي والصحة النفسية المتكاملة
تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، وتكوين شبكة دعم تساعد الفرد على مواجهة التحديات.
التعامل مع القلق والاكتئاب من خلال استشارات نفسية تراعي الاضطراب .
تعزيز السلوكيات الصحية، والابتعاد عن العادات الضارة مثل تعاطي المخدرات أو الانخراط في سلوكيات خطرة.
- التخطيط الصحي واتخاذ القرارات العلاجية المناسبة
تقديم استشارات طبية ونفسية تساعد في اتخاذ قرارات صحية صحيحة.
العمل على تحقيق التوازن النفسي، وتحسين مستوى الحياة وفق نهج متكامل يراعي الصحة الجسدية والعقلية والروحية.
مضاعفات اضطراب الهوية الجنسية
يمكن أن يؤثر اضطراب الهوية الجنسية على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الأنشطة اليومية. فقد يواجه المصابون بهذا الاضطراب صعوبات في الدراسة نتيجة الضغط المتعلق بارتداء ملابس تتماشى مع جنسهم المحدد عند الولادة، أو بسبب الخوف من التعرض للتحرش أو التنمر.
وفي حال أدى اضطراب الهوية الجندرية عند الأطفال إلى فقدان القدرة على متابعة الدراسة أو أداء العمل، فقد ينجم عن ذلك التسرب من المدرسة.
كما أنه من الشائع أن يواجه المصابون مشكلات في العلاقات، إلى جانب احتمالية المعاناة من القلق والاكتئاب وإيذاء النفس، بالإضافة إلى اضطرابات الأكل، وإدمان المواد المخدرة، وغيرها من المشكلات الصحية.
غالبًا ما يتعرض المصابون باضطراب الهوية الجنسي للتمييز، مما يزيد من مستويات التوتر لديهم. كما قد يواجهون صعوبة في الوصول إلى الخدمات الصحية والعقلية بسبب الخوف من نظرة المجتمع، إلى جانب قلة عدد المتخصصين في علاج مثل هذه الحالات.
يمكن أن يؤثر اضطراب الهوية الجندرية عند الأطفال على صحتهم النفسية، حيث قد يكونون أكثر عرضة لخطر الأفكار الانتحارية أو محاولات الانتحار قبل الخضوع لعلاج تأكيد الجنس.
وختاماً يعد اضطراب الهوية الجنسية حالة معقدة تتطلب فهمًا دقيقًا للأسباب المؤدية إليها والطرق المناسبة للتعامل معها وفقًا للضوابط الشرعية.
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعل الفطرة السليمة أساسًا لحياته، ولذلك فإن التعامل مع مثل هذه الحالات يجب أن يكون قائمًا على التوجيه الصحيح، والدعم النفسي، والعلاج الطبي المشروع إذا لزم الأمر، مع مراعاة أحكام الشريعة. كما أن تعزيز الوعي المجتمعي والتربية السليمة يسهمان في وقاية الأفراد من المؤثرات السلبية التي قد تؤدي إلى اضطراب الهوية. من الضروري أن يكون التعامل مع هذه القضية برحمة وحكمة، بحيث يُقدم للأشخاص المحتاجين للدعم إرشادًا يساعدهم على التوافق مع فطرتهم السليمة.
المصادر