تُعد صعوبات التعلم من القضايا التربوية والنفسية الهامة التي تواجه العديد من الأطفال والمراهقين حول العالم. وهي لا تعني بالضرورة ضعف الذكاء أو قلة الجهد، بل تشير إلى اختلافات في طريقة استقبال الدماغ للمعلومات ومعالجتها. ووفقًا للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن صعوبات التعلم هي اضطرابات عصبية تؤثر على القدرة في واحد أو أكثر من مجالات التعلم الأساسية مثل القراءة، الكتابة، أو الرياضيات. كما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن هذه الصعوبات قد تكون مصحوبة بمشكلات في التنظيم، التركيز، أو التفاعل الاجتماعي، مما يستلزم وعيًا مجتمعيًا وتربويًا للتعامل معها بالشكل الصحيح. في هذا المقال، سنتناول مفهوم صعوبات التعلم عند الأطفال و علاجها بالإضافة إلى طرق علاج صعوبات التعلم.
ما هي أنواع صعوبات التعلم؟
صعوبات التعلم تشمل مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على قدرة الفرد في التعلم، ومن أبرز أنواع صعوبات التعلم:
- اضطراب المعالجة السمعية: يؤثر على كيفية معالجة الصوت في الدماغ، مما يجعل الأفراد غير قادرين على التمييز بين الأصوات رغم وضوحها.
- ضعف القدرة على حل المسائل الحسابية: يؤثر على فهم الأرقام وحل مسائل الرياضيات وتنظيم الأرقام.
- عسر الكتابة: يؤثر على الكتابة اليدوية، مثل صعوبة الكتابة بشكل مقروء أو تنظيم الأفكار.
- عسر القراءة: يؤثر على القراءة وفهم النصوص، ويمكن أن يشمل صعوبة في فك شفرة الكلمات أو تهجئتها.
- اضطراب معالجة اللغة: يؤثر على قدرة الشخص في فهم المعاني المرتبطة بالكلمات والجمل.
- اضطراب التعلم غير اللفظي: يشمل صعوبة في تفسير الإشارات غير الشفهية مثل تعبيرات الوجه أو لغة الجسد.
- اضطراب بصري إدراكي: يؤثر على فهم المعلومات البصرية أو القدرة على الرسم والنسخ.
ما هي أسباب صعوبات التعلم؟
لا يزال الباحثون يحاولون فهم المزيد حول أسباب صعوبات التعلم عند الأطفال. لكن في الوقت الحالي، يُعتقد أن هذه الصعوبات تنشأ
من تداخل عوامل وراثية وبيئية. ومن المهم
أن نوضح أن أسباب صعوبات التعلم لا تتعلق بمشاكل جسدية حسية، مثل ضعف البصر أو السمع. تشير الدراسات إلى وجود مجموعة من أسباب صعوبات التعلم المحتملة التي قد تزيد من احتمالية الإصابة، مثل:
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بصعوبات تعلم.
- الولادة المبكرة.
- تعرض الجنين للكحول أو مواد أخرى ضارة أثناء الحمل.
- التأخر في تطور النطق واللغة في الطفولة.
- سوء التغذية.
- التعرض لمواد سامة في البيئة مثل الرصاص.
- المرور بتجارب قاسية في الطفولة.
- الإصابة بإصابات دماغية.
وغالبًا ما تكون أسباب صعوبات التعلم عند الأطفال مرتبطة باضطرابات أخرى تظهر في نفس الوقت، منها:
- اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
- القلق.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- الاكتئاب.
- الوسواس القهري (OCD).
- اضطراب التحدي والمعارضة (ODD).
وقد أظهرت بعض الدراسات أن ما بين 20% إلى 70% من الأطفال المصابين باضطرابات نفسية يعانون أيضًا من صعوبات في التعلم.
وإذا كنتِ تشكين أن لدى طفلك صعوبة في التعلم، فمن الأفضل أن تطلبي من المدرسة إجراء تقييم رسمي له.
ما هي علامات صعوبات التعلم؟
العلامة الأساسية لأي صعوبة تعلم هي وجود فرق واضح بين قدرات الطفل الأكاديمية وما يحققه فعليًا في الدراسة.
قد تلاحظ بعض العلامات على وجود اضطرابات تعلم شديدة في سن مبكرة، لكن غالبًا لا يتم التعرف على أغلب صعوبات التعلم الخفيفة إلى المتوسطة إلا بعد دخول الطفل المدرسة (من سن 5 سنوات فأكثر)، حيث تبدأ التحديات الدراسية في الظهور. أما الاضطرابات الشديدة فقد لا يتم تشخيصها إلا بعد أن يبدأ الطفل الدراسة فعلًا.
كل نوع من أنواع صعوبات التعلم له مؤشرات مختلفة، لكن بشكل عام، من العلامات الشائعة التي قد تشير إلى وجود صعوبة في التعلم:
- صعوبة في التعرف على الحروف أو الأرقام أو الألوان أو الرموز الرياضية.
- بطء في تعلم كلمات جديدة وتوسيع المفردات.
- صعوبة في التمييز بين الكلمات المتشابهة في النطق أو استخدام القوافي.
- صعوبة في تهجئة الكلمات أو نطقها أثناء القراءة.
- عدم القدرة على تنظيم الأفكار أو البدء والإنتهاء من الواجبات الدراسية.
- صعوبة في التعبير عن الأفكار بالكلام.
- ضعف في الذاكرة سواء قصيرة أو طويلة المدى.
- عدم القدرة على التركيز لفترات طويلة أو الالتزام بالمهمة.
- ضعف في التناسق الحركي.
صعوبة في التفكير المنطقي أو التعامل مع المفاهيم المجردة أو حل المشكلات.
تجدر الإشارة إلى أن هذه العلامات وحدها لا تكفي لتشخيص صعوبة التعلم، فالتشخيص يجب أن يتم على يد متخصص.
علامات سلوكية
غالبًا ما تؤثر صعوبات التعلم على ثقة الطفل بنفسه وشعوره تجاه المدرسة. قد يشعر بالإحباط لأنه لا يحقق نفس أداء زملائه. من السلوكيات التي قد تشير إلى وجود صعوبة في التعلم:
- عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة.
- رفض القراءة بصوت عالٍ أو حل المسائل الرياضية أمام الآخرين.
- التذمر من المعلمين أو إلقاء اللوم عليهم بسبب ضعف الدرجات.
- إخفاء الواجبات الدراسية عن الأهل.
- التهرب من أداء المهام.
- إظهار سلوك عدواني أو غير لائق في المدرسة أو المواقف الاجتماعية.
- تقلبات مزاجية أو نوبات غضب أو رفض للأوامر.
- استخدام عبارات سلبية عن النفس مثل: “أنا غبي”.
تشخيص صعوبات التعلم
يشمل التشخيص عادة ما يلي:
- الاختبارات الأكاديمية: قد يُجري الطبيب اختباراً موحداً لقياس مستوى الشخص في القراءة والكتابة والحساب، بالإضافة إلى اختبار للذكاء (IQ). إذا كانت نتيجة اختبار الذكاء مرتفعة لكن الأداء في الاختبارات الأكاديمية ضعيف، فقد يكون ذلك دليلاً على وجود صعوبة في التعلم.
- مراجعة الأداء: قد يقوم الطبيب بتقييم أداء الشخص في المجالات الأكاديمية والمهنية والاجتماعية والتنموية.
- التاريخ الطبي: من المحتمل أن يسأل الطبيب عن التاريخ الطبي الشخصي والعائلي.
- الفحص البدني والعصبي: قد يُجري الطبيب فحصاً بدنياً وعصبياً للتأكد من عدم وجود حالات صحية أخرى مثل أمراض الدماغ أو الاضطرابات النفسية أو الإعاقات التنموية والفكرية.
ما هي طرق علاج صعوبات التعلم ؟
طرق علاج صعوبات التعلم عند الأطفال تتنوع وتعتمد على نوع الصعوبة التي يواجهها الطفل وتشمل ما يلي:
- التعليم الخاص: الأطفال الذين لديهم صعوبات في التعلم، قد يستفيدون من التدريس على يد معلمين متخصصين. هؤلاء المعلمون يقومون بتقييم شامل لقدرات الطفل، ثم يعملون على تنمية نقاط قوته ومساعدته في التغلب على التحديات. وتُعتبر هذه الطريقة فعالة في علاج صعوبات التعلم في القراءة والكتابة.
- الأدوية: بعض الحالات قد تحتاج إلى أدوية تساعد الشخص على التركيز والانتباه بشكل أفضل، كجزء من خطة شاملة لـعلاج صعوبات التعلم.
- العلاج النفسي: يمكن أن يساعد العلاج النفسي الأفراد في التعامل مع مشاعرهم وتطوير مهارات للتأقلم مع التحديات التي يواجهونها،
- تدخلات أخرى: مثل جلسات علاج النطق واللغة، والتي تكون مفيدة لبعض الأشخاص، خصوصًا في علاج صعوبات التعلم في القراءة والكتابة.
- مجموعات الدعم: سواء للأشخاص الذين يعانون من صعوبات التعلم أو لآبائهم، فإن حضور مجموعات الدعم يمكن أن يوفر فرصة للتواصل مع آخرين يمرون بتجارب مشابهة. وغالبًا ما تسبب هذه الصعوبات توترًا أو خلافات داخل الأسرة، خاصة إذا كانت الحالة موروثة. وتُعد هذه المجموعات من طرق علاج صعوبات التعلم الفعالة من الناحية النفسية والاجتماعية.
كيفية التعامل مع صعوبات التعلم؟
التعامل مع صعوبات التعلم يتطلب فهماً دقيقاً لطبيعة هذه الاضطرابات، والتي لا ترتبط بضعف الذكاء، بل بطرق مختلفة في معالجة المعلومات. وتعتبر الخطوة الأولى في التعامل الفعّال هي التشخيص المبكر والدقيق من خلال أخصائيين في الطب النفسي التربوي. بعد ذلك، يتم وضع خطة تعليمية فردية تراعي احتياجات الطالب الخاصة وتستخدم استراتيجيات تعليمية مرنة مثل تقسيم المهام وتكرار المعلومات واستخدام الوسائط المتعددة. لا يقل أهمية عن ذلك تقديم الدعم النفسي والمعنوي لتعزيز ثقة الطالب بنفسه، وتفعيل التعاون بين الأسرة والمدرسة لضمان بيئة تعليمية داعمة ومحفزة. التدخل المبكر هو العامل الحاسم الذي يُحدث فرقاً حقيقياً في حياة هؤلاء الطلاب، ويمنحهم فرصة متكافئة للنجاح والنمو.
وختاماً تُعد صعوبات التعلم عند الأطفال وعلاجها من المواضيع المهمة التي تتطلب وعيًا وتفهّمًا من الأسرة والمجتمع. فصعوبات التعلم هي حالات تستمر مدى الحياة ولا يمكن علاجها بشكل نهائي، لكن مع التشخيص المبكر والدعم المناسب، يمكن للأطفال الذين يعانون منها أن ينجحوا في المدرسة والعمل، ويكونوا جزءًا فعالًا في مجتمعهم. ولهذا السبب، من المهم التركيز على العلاج باستخدام طرق مدروسة ومناسبة لكل حالة، بما يضمن تمكين الطفل من تجاوز التحديات وتحقيق تطوره الأكاديمي والاجتماعي.
المصادر