فقدان الذاكرة النفسي، المعروف أيضًا باسم فقدان الذاكرة الانفصامي أو الانفصالي (النسيان الانشقاقي) Dissociative Amnesia، هو أحد الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الإنسان في أي مرحلة عمرية، حيث يؤدي إلى تأثير مفاجئ على الذاكرة. يحدث هذا النوع من فقدان الذاكرة نتيجة التعرض لضغوط نفسية شديدة أو صدمات لا يستطيع الفرد استيعابها أو التأقلم معها، مما يدفعه إلى إنكار ما حدث، فيعاني من النسيان، ويصبح غير قادر على تذكر معلوماته الشخصية، مثل اسمه، وعمره، وعنوانه. وفي بعض الحالات، قد لا يتذكر أفراد عائلته ويتساءل عن هويتهم.
لا ينجم هذا النوع من فقدان الذاكرة عن إصابة جسدية أو مرض في الدماغ، إذ تظل الذكريات موجودة لكنها تكون “محجوبة”، مما يعني أنها قد تعود مجددًا عند التعرض لمحفزات معينة.
يُعد النسيان الانشقاقي (Dissociative Amnesia) حالة مؤقتة، حيث يتمكن المصابون به من استعادة ذاكرتهم تلقائيًا خلال فترة قصيرة تتراوح بين ساعات وشهور، أو بمساعدة العلاج النفسي.
أسباب فقدان الذاكرة النفسي
ترتبط أسباب فقدان الذاكرة النفسي بشكل وثيق بالتعرض للأحداث الصادمة والمؤلمة. فالأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء أو الصدمات خلال طفولتهم أو في أي مرحلة من حياتهم يكونوا أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من فقدان الذاكرة. فيما يلي أبرز أسباب فقدان الذاكرة النفسي:
- التعرض للأحداث الصادمة
يرتبط فقدان الذاكرة النفسي بالإجهاد والتوتر الشديد، والذي قد يكون ناتجًا عن ظروف قاسية مثل الحروب، الكوارث، الحوادث، سوء المعاملة، أو الضغوط الحياتية القاسية.
هذه العوامل قد تزيد من احتمالية الإصابة بفقدان الذاكرة النفسي نتيجة التأثير العميق للصدمات على الدماغ.
- العوامل الوراثية
تزداد فرص الإصابة بهذا النوع من فقدان الذاكرة إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة به، خاصة إذا كان أحد أقارب الدرجة الأولى قد عانى منه من قبل، مما يشير إلى دور العوامل الوراثية في ظهوره.
تتنوع أنواع فقدان الذاكرة النفسي، وقد يعاني الشخص من أكثر من نوع في الوقت ذاته، ويمكن أن يكون فقدان الذاكرة مؤقتًا أو دائمًا.
أنواع فقدان الذاكرة النفسي
من أبرز أنواع فقدان الذاكرة النفسي:
- فقدان الذاكرة التقدمي: يعجز المصاب عن تذكر المعلومات الجديدة بعد وقوع الحدث الذي أدى إلى فقدان الذاكرة، لكنه يبقى قادرًا على تذكر المعلومات التي حصل عليها قبل ذلك الحدث.
- فقدان الذاكرة التراجعي: حيث يفقد الشخص القدرة على تذكر الأحداث التي حدثت مباشرة قبل وقوع الصدمة أو الحدث الذي تسبب في فقدان الذاكرة.
- فقدان الذاكرة الشامل العابر: هو فقدان كلي للذاكرة لفترة قصيرة، وعادة ما يعود خلال 24 ساعة، وقد يتراوح مدة فقدان الذاكرة المؤقت من ساعة إلى 10 ساعات.
- فقدان الذاكرة بعد التعرض لصدمة: قد يحدث فقدان الذاكرة بعد إصابة في الرأس أو حادث سير، ويعتبر من الأسباب الشائعة لفقدان الذاكرة المؤقت.
- فقدان الذاكرة الانفصالي: يمكن أن يحدث نتيجة التعرض لصدمة نفسية شديدة، مما يؤدي إلى نسيان الشخص لفترات من حياته أو حتى هويته، وقد تستعيد الذاكرة لاحقًا، لكن قد لا تعود بعض ذكريات الحدث المؤلم بالكامل.
أعراض فقدان الذاكرة النفسي
فقدان الذاكرة النفسي، والذي يُسمى أيضًا فقدان الذاكرة الوظيفي أو الانفصالي، هو اضطراب يتسم بفقدان الذاكرة في غياب أي تلف هيكلي في الدماغ أو سبب بيولوجي عصبي معروف. يحدث هذا النوع من فقدان الذاكرة نتيجة للتأثيرات النفسية الناجمة عن الإجهاد الشديد أو الصدمات النفسية، ولا يكون ناتجًا عن سبب جسدي أو فسيولوجي. من أبرز أعراض فقدان الذاكرة النفسي ما يلي:
- فقدان الذاكرة الجزئي أو الموضعي: يؤثر هذا النوع من فقدان الذاكرة على مجالات معينة من المعرفة أو أجزاء من حياة الشخص، مثل نسيان فترة زمنية معينة من الطفولة، وغالبًا ما يحدث بسبب صدمة معينة.
- فقدان الذاكرة العام: يؤثر على جوانب كبيرة من حياة الشخص أو هويته، مثل عدم القدرة على التعرف على الاسم، أو الوظيفة، أو العائلة، أو الأصدقاء.
- الشرود الذهني: في حالات الشرود الانفصالي، يفقد الشخص ذاكرته بشكل كامل، بما في ذلك معلومات عن حياته الخاصة، مثل عائلته ووظيفته وهويته، بحيث لا يتذكر ماضيه أو نفسه.
يختلف فقدان الذاكرة الانفصالي عن فقدان الذاكرة الناتج عن مشاكل طبية مثل الأمراض أو السكتات الدماغية أو إصابات الدماغ، حيث أن فقدان الذاكرة الطبي غالبًا ما يكون استعادة الذكريات فيه عملية بطيئة تدريجية، وقد لا تتحقق بالكامل.
في حين أن معظم حالات فقدان الذاكرة الانفصالي تستمر لفترات قصيرة نسبيًا، وعادة ما يتم استرجاع الذكريات فجأة وبشكل كامل، خاصة بعد تحفيزها من خلال بيئة الشخص أو خلال مراحل العلاج.
من الأعراض الشائعة الأخرى المصاحبة لفقدان الذاكرة النفسي هو القلق المزمن، الذي يتجلى في شعور الشخص بالقلق الدائم والمستمر تجاه كل شيء وكل شخص في محيطه، وغالبًا ما يحدث دون وجود أي مبررات أو أسباب منطقية.
مضاعفات فقدان الذاكرة النفسي
قد يواجه الأشخاص المصابون بفقدان الذاكرة الخفيف تراجعًا وصعوبة في إنجاز المهام اليومية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية بسبب مشكلات في تذكر الأحداث السابقة وتكوين ذكريات جديدة.
وفي بعض الحالات، قد لا يكون من الممكن استرجاع الذكريات المفقودة.
أما الذين يعانون من فقدان ذاكرة شديد، فقد يتطلب الأمر مراقبتهم على مدار الساعة لضمان سلامتهم.
تشخيص فقدان الذاكرة النفسي
يعد النسيان الانشقاقي أحد أنواع فقدان الذاكرة المرتبطة بالتوتر والصدمات النفسية، حيث يعاني المريض من صعوبة في تذكر المعلومات الشخصية أو الأحداث الحياتية المهمة دون وجود سبب عضوي واضح.
يتم تشخيص فقدان الذاكرة النفسي، المعروف أيضًا باسم النسيان الانشقاقي، من قبل الطبيب من خلال مراجعة التاريخ المرضي للمريض وإجراء الفحص البدني.
على الرغم من عدم توفر اختبارات مخبرية محددة للكشف عن هذا النوع من فقدان الذاكرة، فقد يطلب الطبيب فحوصات دم وصور أشعة لاستبعاد احتمالية الإصابة بأمراض أخرى.
علاج فقدان الذاكرة بسبب صدمة نفسية
تتطلب استعادة الذاكرة وعلاج فقدان الذاكرة بسبب صدمة نفسية بيئة داعمة، وقد يتم أحيانًا استخدام التنويم المغناطيسي أو أدوية تحفّز حالة شبه تنويمية لتحقيق ذلك. كما يُعد العلاج النفسي وسيلة لمساعدة المرضى على التعامل مع الذكريات التي تعود إلى أحداث صادمة أو مرهقة.
عندما يكون فقدان الذاكرة محدودًا بزمن قصير، غالبًا ما يكون تقديم الدعم النفسي كافيًا، خصوصًا إذا لم يكن هناك حاجة ملحّة لاسترجاع ذكرى مؤلمة.
أما في الحالات الأكثر تعقيدًا، فيكون الخطوة الأولى من العلاج توفير بيئة آمنة ومستقرة، حيث إن هذا العامل وحده قد يؤدي إلى استعادة الذكريات بشكل تدريجي.
في حال لم تؤدِ البيئة الداعمة إلى تحسن كافٍ، أو إذا كانت الحاجة إلى استرجاع الذكريات ملحّة، يمكن اللجوء إلى تقنيات مثل التنويم المغناطيسي أو تحفيز حالة شبه تنويمية باستخدام أدوية معينة مثل الباربيتورات أو البنزوديازيبين.
لكن يجب توخي الحذر عند استخدام هذه الأساليب، حيث إن استعادة الذكريات قد تكون تجربة مؤلمة للغاية، خصوصًا في حالات فقدان الذاكرة النفسي أو النسيان الانشقاقي.
كما ينبغي توجيه الأسئلة بطريقة دقيقة لتجنب زرع ذكريات زائفة عن غير قصد. ومن الجدير بالذكر أن الأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء، لا سيما في طفولتهم، قد يشعرون بعدم الثقة تجاه المعالجين، وقد يخشون أن يتم التلاعب بذكرياتهم أو فرض ذكريات غير صحيحة عليهم بدلاً من مساعدتهم على تذكر الحقيقة (وهو ما يُعرف بـ “النقل الصدمي”).
لا يمكن التأكد من صحة الذكريات المسترجعة عبر هذه الطرق إلا من خلال أدلة خارجية.
ومع ذلك، فإن محاولة سد الفجوات في الذاكرة، حتى لو لم تكن كل التفاصيل دقيقة، قد يكون لها أثر علاجي مهم، إذ تساعد في استعادة الإحساس بالهوية الشخصية وتعزيز شعور الفرد بسيرته الذاتية المتماسكة.
بعد استعادة الذاكرة، يهدف العلاج إلى:
- فهم الصدمة أو النزاع الكامن وراء فقدان الذاكرة وإعطائه معنى.
- معالجة المشكلات الناتجة عن نوبة فقدان الذاكرة.
- مساعدة المريض على تجاوز التجربة والمضي قدمًا في حياته.
أما في حالة الشرود التفارقي (dissociative fugue)، وهو أحد أشكال فقدان الذاكرة النفسي، فقد يتم الاعتماد على العلاج النفسي، وأحيانًا التنويم المغناطيسي أو جلسات استرجاع الذكريات المدعومة بالأدوية، لمحاولة استعادة الذكريات المفقودة، وإن لم تكن هذه الجهود ناجحة دائمًا. ورغم ذلك، يمكن أن يكون العلاج النفسي مفيدًا في مساعدة المرضى على فهم كيفية تعاملهم مع المواقف والصراعات والمشاعر التي أدت إلى الشرود، مما يساعدهم على تطوير استجابات أكثر صحة وتقليل احتمال تكرار الحالة مستقبلًا.
تعرف أيضاً على: علاج ضعف التركيز وتشتت الانتباه عند الكبار
في الختام، يُعد فقدان الذاكرة النفسي حالة معقدة تنشأ نتيجة صدمة نفسية أو ضغوط عاطفية شديدة، ما يؤثر على قدرة الفرد على تذكر المعلومات الشخصية أو الأحداث المهمة في حياته. وتتفاوت أعراض فقدان الذاكرة النفسي بين النسيان المؤقت والارتباك الشديد، وقد تتطور إلى فقدان ذاكرة كامل في بعض الحالات. وترتبط هذه الحالة بعدة عوامل، حيث تشمل أسباب فقدان الذاكرة النفسي التعرض لحوادث مؤلمة، أو اضطرابات القلق والتوتر الحاد.
كما تتعدد أنواع فقدان الذاكرة كما ذكرنا، هناك عدة استراتيجيات فعالة تساعد في علاج فقدان الذاكرة بسبب صدمة نفسية، منها العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، وتقنيات الاسترخاء، والدعم الاجتماعي، وأحيانًا العلاج الدوائي تحت إشراف مختصين.
لذا، فإن التعامل المبكر مع فقدان الذاكرة النفسي من خلال وسائل علاجية مناسبة يسهم في تحسين حالة المريض واستعادة الذكريات المفقودة تدريجيًا، مما يبرز أهمية البحث عن مساعدة مهنية عند مواجهة مثل هذه الاضطرابات.
المصادر